خبيرة نفسية تكشف لنا الحقيقة المرة: كيف نربي أطفالنا على ازدراء أنفسهم؟!
كنت جالسة بمقهى، وعلى الطاولة المجاورة عائلة تتكون من رجل عمره حوالي 35 عاماً، وابنه البالغ من العمر 4 سنوات، وجدته لأبيه. طلبوا الشاي مع بعض المخبوزات، وكان الأب منشغلاً بالتحدث مع الجدة.
أراد الطفل أن يشرب الشاي، لكنه كان ساخناً للغاية، فبدأ يرتشف القليل منه غير أنه سرعان ما استسلم بعد عدة محاولات. ثم قال وهو ينظر إلأى أبيه وجدته: "إنه ساخن جداً“، لكنهما لم يعيراه انتباهاً. كرر بصوت أعلى: “إنه ساخن جداً”. التفتت إليه الجدة وردت بغضب: “ليس ساخناً، كف عن ذلك”.
فأمسك الأب بكوب الشاي وحاول أن يفعل شيئاً لتبريده، لكن الجدة شتت انتباهه بسؤال، فعاد إلى الحوار معها مجدداً دون أن يحل مشكلة ابنه. حاول الطفل أن يلفت انتباههما مرة أخرى، لكن الجدة صاحت به: “كفى! ما بك؟! هيا اشربه، الشاي ليس ساخناً. اشربه لأننا سنغادر بعد قليل”. وعادت لتكمل حديثها مع الأب مجدداً. بدأ الولد يشرب الشاي ببطء، وينفخ فيه أحياناً ويأكل من المخبوزات. وبعد فترة، وقفوا استعداداً لمغادرة المقهى، بينما كانت الجدة توبخ الولد قائلة: “إن تصرفت هكذا مجدداً، فلن تخرج معنا المرة القادمة!”
بصراحة، من يستحق التوبيخ هنا هي الجدة. لكن على أية حال، لنركز على الطفل وما تعلمه من دروس بسبب هذا الموقف:
● أن مشاكله ليست مهمة، وكذلك هو.
● لا يستطيع أن يتحدث عن مشاكله.
● لا يستطيع أن يطلب المساعدة، لأن الرد عليه سيكون بالتوبيخ أو التجاهل. وهكذا سيكون الوضع أسوأ إن فعل ذلك.
● لا يمكنه أن يثق بحواسه وأحاسيسه. الآخرون يعرفون أفضل منه كيف يجب أن يشعر في المواقف المختلفة.
● أن أحبابه لن يلتفتوا إليه أو يعيروه انتباهاً عندما يقول إنه يواجه مشكلة ما.
● أن أباه لم يقم بحمايته أو الدفاع عنه.
● أن شخصية أبيه أضعف من أن تواجه جدته. وهذا الإسقاط سيؤثر عليه طيلة حياته.
ورغم أن هذه القائمة ليست حصرية، لكنها برأيي تكفي لإخافتنا. الموقف السابق لم يستغرق سوى 10 دقائق تقريباً. وأعتقد أنه يتكرر بصور مختلفة في المنزل عندما يتواصل أفراد الأسرة فيما بينهم. وعندما يتكرر هذا الأسلوب في التعامل مع الولد، فإنه سيستوعب هذه الدروس، وسوف تلازمه طوال حياته.
كلنا سمعنا أو رأينا مواقف مماثلة في طفولتنا. إن شخصياتنا الحالية هي نتاج لهذا الأسلوب في التربية. فنحن “لا نستمع لصوتنا الداخلي، ولا نثق بأنفسنا، ونخضع للآخرين ونخفي احتياجاتنا”.
عندما أشعر بانزعاج في موقف معين أو خلال التواصل مع شخص آخر، فهذا لا يعني سوى شيئاً واحداً.. أنا منزعج. هذا ما أشعر به، وأنا أثق بمشاعري وأصدقها. يجب أن أحمي نفسي بأي وسيلة ممكنة. هكذا أعبر عن حبي وتقديري لنفسي. لن أشغل نفسي بالتفكير في سبب الضيق الذي أشعر به تجاه أحدهم، ولست بحاجة لأن أتفهمه. لست مضطراً لتحليل شخصيته لأعرف هل كانت طفولته صعبة أم أنه تعرض لصدمات نفسية جعلته يعامل الآخرين بهذه الطريقة. عليه هو أن يفكر بذلك، ليعرف حقيقة نفسه أكثر، فأنا لست مسؤولاً عنه.
عندما تتعلم كيف تحمي نفسك وتستطيع وضع حدود واضحة للتعامل مع الآخرين، فهذا يعزز احترامك لذاتك وفي الوقت نفسه، يتيح لك الفرصة لاكتساب قدرات معينة، مثل القدرة على رؤية الموقف من منظور الآخرين، وتفهم أسبابهم وطرق تفكيرهم، وعدم الشعور بالغضب تجاههم، وتقبلهم ومسامحتهم، أو حتى عدم مسامحتهم. عندما تختبر ذلك مراراً وتكراراَ، ستفوز في النهاية بشخصية رصينة تترفع عن الصغائر.
قد تتجرأ على سبي، لكني سأهز كتفي قليلاً فحسب، وأقول لنفسي “لا بأس”. بعدها ستبدأ في تقبل الآخرين كما هم، وستدرك أننا جميعاً لسنا سوى أولاد وبنات صغار علمهم الكبار كيف يخادعون أنفسهم. ومازلنا جميعاً نعاني الألم بسبب ذلك، لذا ينبغي ألا نزيد هذه الآلام بأن نقابل المشاعر السيئة بالمثل.
منذ نعومة أظافرنا نتعلم ألا نثق بمشاعرنا. عندما يقال للطفل: "أنت لا تشعر بذلك، هذا ليس صحيحاً"، فإنه يكبر وقد فقد القدرة على تمييز حقيقة مشاعره. ولا يمكنه أن يشكو من إحساسه بالضيق أو الانزعاج، لأنه سيواجه بالتوبيخ. ولهذا السبب، فمن المهم أن نتعلم كيف نثق بمشاعرنا، وأن نظهرها ولا نخفيها، ونتحدث عنها.. ليس مع الجميع بالطبع، وإنما مع أشخاص يقابلوننا بالتفهم لا بالسخرية. بعدها نستطيع أن نطور قدرتنا على وضع حدود واضحة مع الآخرين، والدفاع عنها بشراسة إن لزم الأمر.
ستكون شرساً في البداية فحسب، لكنك ستتعلم لاحقاً كيف تقوم بذلك بطرق أخرى. ولهذا السبب يمكنك أن ترى قدراً كبيراً من الألم في عيون من يتبعون الفلسفات الشرقية التي تركز على السلام والمحبة الشاملة في الكون، رغم ابتسامتهم ومحاولتهم الظهور بمظهر الحكيم. لقد فوتوا مرحلتين هامتين وقفزوا مباشرة إلى المرحلة الثالثة. لكن ما هكذا تسير الأمور؛ إذ لا بد من المرور بجميع المراحل بالترتيب وعدم تخطي أي واحدة منها.
نشر الجانب المشرق هذه المقالة بموافقة لاريسا فيرتيشيفا Larisa Vertysheva.