ما معنى الذكورة السامة ولماذا يعاني منها الرجال وأحباؤهم؟
لا يمكن إنكار وجود فوارق بين الرجل والمرأة، ولكنها ليست كبيرة كما يظن الجميع، كما أنها غير قابلة للتحول إلى مبرّر بأن أحد الجنسين أفضل من الآخر. يرتبط التحيز الجنساني بالمرأة في معظم الحالات، غير أن الرجال يعانون بدورهم من التمييز، وما عبارة “الأولاد لا يبكون” إلا مجرد مثال على هذه “الذكورة السامة” التي تنطوي على مجموعة من القواعد المحدِّدة لنمط حياة الرجال مانعة إياهم من عيشها على أكمل وجه.
لا شك لدى الجانب المُشرق أن الوقت قد حان لتغيير أفكارنا النمطية حول “كيف يجب على الرجل أن يتصرف”. ولذلك سنبيّن لكم في هذه المقالة جوانب الخطأ في “نموذج الرجل الحقيقي” باستعمال صور مأخوذة من مشروع فوتوغرافي، أشرف عليه منتدى Renaissance Youth Leaders، الهادف إلى تقليص الصور النمطية الخاطئة عن الجنسين. وفي نهاية المقال، ستجدون مكافأة تتضمن بعض القصص المعبرة عن مدى صعوبة أن يكون المرء رجلاً.
تعني رغبة المرء في أن يكون “رجلاً حقيقياً” أن يتحلى في الغالب بروح المخاطرة والسيطرة وتفاديه لإظهار المشاعر والأحاسيس. لكن الواقع أن هذه علامات ضعفن وليس قوة، تؤذي الرجال وأحباءهم على حد سواء. حيث يجد أولئك الذين يتشبعون بمفاهيم تربوية تعلي من شأن الذكورة صعوبة أكبر في الحفاظ على علاقات وثيقة مع أزواجهم وأطفالهم. عجزهم عن أن يكونوا الأفضل دائماً، كما يريدون، قد يودي بهم إلى مشاكل نفسية، مثل الاكتئاب والقلق. إذ يفضل هؤلاء الرجال عموماً عدم الالتفات إلى رسائل أجسادهم، ويتحملون الألم متجاهلين استدعاء الطبيب. وكل هذا يقود بدوره إلى تكريس حقيقة علمية مفادها أن عمر الرجل، في المتوسط، أقصر من عمر المرأة.
ومع ذلك، ما يزال الكثير من الناس من الجنسين يرون أن الشخصية الذكرية من صنف Alpha (الرجل القوي الصارم) هي الأصح. وفي المقابل، إذا عبّر رجل لطفله عن حبه الكبير أو بكى فجأة أثناء مشاهدة فيلم مؤثر، فمن الوارد والمتوقع أن يسمع من يصفه بأنه “يتصرف مثل الفتيات”.
إن الرجال الذين يعبرون بصراحة عن مشاعرهم وعواطفهم يواجهون في المجتمع بالسخرية وحتى الازدراء. وعليهم أن يختاروا: إما وضع قناع “الرجل القوي” على وجوههم أو “التنازل عن رجولتهم”.
إن الأدوار التقليدية للجنسين، التي تصف الرجل بالمحارب الشديد ورب الأسرة المسيطر، والمرأة بسيدة البيت اللطيفة التي تحتاج إلى الحماية، تتلاشى بالتدريج. وقد بدأ الرجال يشعرون بأنهم يستطيعون اتخاذ قراراتهم، ليس تحت ضغط الأعراف الاجتماعية، ولكن بما يوافق اختيارهم الشخصي. وهناك بلدان تشجع فيها أنظمة الحكومات على تجاوز الأدوار النمطية في المجتمع، كما هو الحال في السويد والنرويج، على سبيل المثال، حيث يفرض على الوالد الاستمتاع بإجازة من 3 إلى 18 شهراً عند ولادة طفله.
مع حصولهم على المزيد من الدعم، أدرك الرجال في جميع أنحاء العالم أن أوان التغيير قد حان. جلسات العشاء الرجالية أمست تكتسب شعبية متزايدة، بوصفها ملتقى يمكنهم فيه مناقشة الموضوعات التي يتجنبون التطرق إليها عادةً، حتى مع أصدقائهم المقربين. ومنها هذا المشروع البريطاني The Campaign Against Living Miserably الذي يعلمهم طلب المساعدة النفسية عند الحاجة، حيث يساعدهم علماء نفس ومتطوعون من مشروع ManKind Project على فهم سبب عدوانيتهم والتعرف أكثر على مشاعرهم والتعبير عنها. وقد أصدرت جمعية علم النفس الأمريكية إرشادات لعلماء النفس، الذين يعملون مع الشبان والرجال، لمساعدتهم على تطوير أنماط حياة جديدة وصحية للذكور.
من أهم ركائز هذه الروح الذكورية الجديدة، أنها ترفض القبول بأي تمييز مجحف. لكل منا مشاعر ورغبات ولنا الحق في التعبير عنها، دونما تحيز ضد أي شخص مختلف.
مكافأة: قصص من شبكة الإنترنت
زرت والدي في منزله الريفي، حيث يعيش منذ أن توفيت والدتي قبل 10 سنوات. كان يربي هناك دجاجات وعنزات وبقرة، وكلما سألته لماذا يحتاج إلى كل هذا، كان يكتفي بالضحك. وبينما كنا جالسين معاً على الشرفة أمس، رأيت الدموع في عينيه، فسألته ما خطبه، فقال: “لقد كانت والدتك دائماً تتمنى العيش في مزرعة، لكني عارضتها. كنت أقول إني لا أريد العيش في الريف، لأنني أحب حياة المدينة أكثر، ولكن عندما ماتت، أدركت لماذا أرادت مغادرة المدينة. لم أخسر زوجتي فحسب، بل لم أستمع إليها ولم أستطع إعطاءها ما أرادته. وها أنا الآن هنا، وهي هناك (مشيراً إلى السماء) وكل ما أريده أن ترى أني حققت حلمها”. ثم نهض ومسح دموعه وراح يشغل نفسه بتقطيع الأخشاب، بينما ظللت أفكر بأن والدي كتم هذه المشاعر في نفسه لسنوات عديدة، دون أن أعرف شيئاً عنها. لقد شعرت فجأة بالخجل من كل النكات التي كنت ألقيها عن مزرعته ومنزله الريفي، وذرفت بعض الدموع أيضاً. © Batya121 / Pikabu .
رجع ابني مرة إلى البيت بركبة تنزف، وصديقه برفقته. سألته: "هل تؤلمك؟“، فردّ علي: “لا بأس. إنه مجرد خدش”. اصطحبته إلى الحمام كي أعالج إصابته وهناك همس لي: “أمي، اطلبي من صديقي أن ينتظرني في الخارج”. غادر الصديق، فعدت إلى ابني لأجده فجأة يجهش بالبكاء، لدرجة يرثى لها، حتى أني شعرت بالخوف. “ما الخطب يا بني؟ ماذا حدث؟” فقال لي: “إنها تؤلمني كثيراً. أردت البكاء، لكني لم أستطع فعل ذلك أمام أصحابي”. عانقت صغيري وقبّلت رأسه وأنا أفكر: “من الصعب جداً أن يكون المرء رجلاً. عليك أن تكتم مشاعرك عندما تشعر بالألم، وتبتسم عندما ترغب بالبكاء، ولا تستطيع إظهار نقاط ضعفك للناس. وسينطبق عليك هذا بغض النظر عن عمرك، سواء كان 7 أو 12 أو 38 سنة، فقط لأن الرجال لا يبكون كما يقال”. © TatianKa73 / Pikabu .
أتذكر أني كنت في السادسة من عمري ألعب في موقع بناء، فوقعت عليّ عارضة خرسانية شقّت رأسي. وأثناء عودتي إلى المنزل، كان كل ما أفكر فيه هو أني لن أبكي ولن أميل برأسي كي لا يتسرب منه دماغي! وهكذا مشيت متألماً وأنا أكرر لنفسي: “لا تبك، لا تسمح لرأسك بالميلان، لا بكاء، لا ميلان...” ولم يساعدني أحد بالمرة. من يدري؟ ربما اعتقدوا أن مشهد صبي يبلغ من العمر 6 سنوات ينزف على طول الشارع شيء عادي. © LazyFatCat / Pikabu .
أكاد أنفجر من الغيظ كلما سمعت شخصاً يقول لصبي “إن الرجال لا يبكون”. نعم، من المعيب أن يكون الإنسان كثير التذمر، لكن الدموع ليست علامة ضعف، إنها رد فعل طبيعي على آلام العقل والجسم. القوة تظهر في ما نفعله لمعالجة الوضع، لا في قلة دموعنا. © Lolka2002 / Pikabu .
أنا لا أستطيع البكاء حتى لو أردت ذلك، فتراني أكتفي بالتجول بملامج متجهمة محتفظاً بكل شيء في أعماق صدري. © Teth / Pikabu .
ما رأيك في الرجال الذين يعبرون عن مشاعرهم وعواطفهم بشكل علني؟ شاركنا برأيك في المساحة المخصصة للتعليقات أدناه.