الجانب المُشرق
الجانب المُشرق

ما هي ظاهرة المشاهير الجدد ولماذا أصبح الناس يشتهرون بدون سبب واضح؟

عادةً ما نستخدم كلمة “مشهور” أو “نجم” حين نود الإشارة إلى شخصٍ نجح في مجالٍ معين مثل التصوير السينمائي، أو الرياضة، أو الغناء، إلخ. ومع ذلك نجد في بعض الأحيان أنّ الجميع يعرفون شخصاً ما، لكنهم لا يستطيعون تحديد ما يشتهر به. وتخيّلوا أنّ هذا النوع الأخير له مصطلح خاص يصفه بالشخص “المشهور بكونه مشهوراً”. وهو وصف ربما يقلل من المرء بعض الشيء، حيث أنه يستخدم لوصف النجوم الذين اكتسبوا شعبيتهم بفضل ظهورهم المتكرر في وسائل الإعلام وليس بسبب موهبتهم.

وقد انتابنا في الجانب المُشرق الفضول لاكتشاف الأسباب وراء انتشار هذه الظاهرة، فقادنا فضولنا إلى استنتاجٍ مفاده أنّ أصلها يرجع إلى القرن الـ19.

كيف بدأت ظاهرة المشاهير بلا سبب ومن هي أول شخصية مشهورة؟

ابتكر دانيال جاي بورستين، المؤرخ والمنظر الاجتماعي الأمريكي، مصطلح “مشهور” في عام 1961. حيث قال إنّ “الثورة التصويرية في الصحافة وغيرها من أشكال الاتصال قد فصلت بين الشهرة والعظمة، وقد سرّع هذا الفصل من وتيرة تضاؤل الشهرة إلى مجرد سوء سمعة”. إذ كانت فكرة “المشهور” تعكس تلك الظاهرة الجديدة التي فاجأت العديدين، “ففي الماضي كان المرء يعتبر شهيراً أو سيئ السمعة لسببٍ ما، مثل كونه كاتباً أو ممثلاً أو مجرماً. ولكن المرء بإمكانه اليوم أن يصير مشهوراً بكونه مشهوراً فقط. وأصبح المعتاد بين الناس عند مصادفة شخصٍ ما في الشارع أو الأماكن العامة أن يقولوا: “لقد رأيتك على التلفاز!”.

ويمكن اعتبار كليو دي ميرود، الراقصة الفرنسية من القرن الـ19، واحدةً من أوائل المشاهير الذين كانت صورتهم معروفةً على نطاق واسع. حيث كانت توصف بأنها “أول مشهورة حقيقية”. كما كانت أيضاً أول امرأة تنتشر صورها حول العالم على بطاقات البريد. إذ يمكننا وصف بطاقات البريد بأنها كانت إنستغرام ذلك العصر.

كانت كليو ابنةً غير شرعية لأحد بارونات فيينا، ولكنها لم تكتسب شعبيتها بفضل مظهرها المتألق، وإطلالتها الساحرة، والشائعات التي لاحقتها فقط. بل حوّلت أيضاً تسريحة شعر تغطي الأذنين إلى موضة رائجة، مما دفع بالعديدين إلى افتراض أنّها فقدت إحدى أذنيها أو كليهما. علاوةً على أنّ المجتمع كان نشطاً في مناقشة تفاصيل حياتها الشخصية، وخاصةً علاقتها الغرامية المزعومة مع ملك بلجيكا. فضلاً عن أنّها ظهرت ذات مرة على المسرح مرتديةً سترة “تونيك” خفيفة باللون الزهري الفاتح، مما ولد انطباعاً وهمياً بأن جسدها عارٍ، وهنا بدأ الجميع في الحديث عن كليو أكثر. وقد كانت من أشهر النساء في فرنسا بنهاية القرن الـ19 ومطلع القرن الـ20، كما حصلت على لقب أجمل امرأة في باريس عام 1898.

نجمة المجتمع التي اشتهرت بسبب عدد أزواجها في خمسينيات القرن الماضي

زازا غابور هي ممثلة ونجمة مجتمع أمريكية برزت لدائرة الضوء في خمسينيات القرن الماضي، ويمكن وصفها بأنّها مثال مشرق آخر على هذه الظاهرة. إذ أطلق نيل غابلر، المؤرخ والناقد، مصطلح “عامل زازا” لوصف ظاهرة الشهرة المبنية على أسبابٍ مجهولة. فرغم تصنيفها كممثلة في جميع المصادر، لكن تجدر الإشارة إلى أنّ سلسلة أعمالها السينمائية كانت أقل إثارة بكثير من سلوكياتها المسرفة وقائمة أزواجها. إذ تزوجت زازا من تسعة رجال، بينهم قطب الفنادق كونراد هيلتون والممثل المعروف جورج ساندرز.

ويمكن القول إن قصة نجاح زازا هي خير برهان: فبعد ظهورها في عدة أفلام؛ لم تغب زازا عن شاشات التلفزيون وأصبحت تظهر بانتظام في عدة برامج تلفزيونية. وبذلك قدمت نفسها في صورة نجمة المجتمع الحاضرة دائماً. ولا عجب إذا علمنا أن التفاصيل عن حياتها الشخصية، وكافة أشكال الفضائح والأنباء، كانت تظهر باستمرار في وسائل الإعلام دون شك.

بالمناسبة، كان لزازا شقيقتان صارتا ممثلتين، وانتهى بهما المطاف إلى المصير نفسه تقريباً. إذ كتب ميرف غريفين، مقدم البرامج التلفزيونية، في سيرته الذاتية: “بعد مضي كل تلك السنوات، من الصعب وصف ظاهرة فتيات غابور الفاتنات الثلاث، ووالدتهن الحاضرة في كل مكان. إذ اجتحن الصفحات الاجتماعية وأعمدة الشائعات بشكلٍ مفاجئ وبقوةٍ كبيرة، وكأنهن هبطن من السماء فجأة”.

ومن المثير للاهتمام أن نعلم أنّ زازا عاشت حتى الـ99 من عمرها، وشهدت صعود نجمة مجتمعٍ أخرى من أقاربها: وهي باريس هيلتون.

عودة الظاهرة من جديد مطلع القرن الـ20 بفضل حفيدة الجد الموهوب

كان كونراد هيلتون رجل أعمالٍ ناجح سيتذكره التاريخ باعتباره الشخص الذي أحدث ثورةً في مجال الفنادق، فضلاً عن كونه مؤسس سلسلة فنادق هيلتون. كما أنّه الشخص الذي حوّل الفنادق إلى ما هي عليه اليوم. حيث أضاف كونراد المطاعم والترفيه إلى الفنادق، وحوّلها من أماكن للنوم إلى مساحاتٍ تتيح للمرء قضاء وقتٍ جيد. علاوةً على ابتكاره فكرة تصنيف الفنادق باستخدام النجوم.

وقد أصبحت حفيدة حفيدته واحدةً من أكثر المشاهير شعبيةً في العقد الأول من القرن الـ20. حيث كانت معروفةً في جميع أنحاء العالم، ودائماً ما كان اسم باريس هيلتون يظهر على أغلفة المجلات، ولكن لا أحد كان يعلم سبب شهرتها في الوقت ذاته. إذ إن باريس هيلتون هي عارضة أزياء، وممثلة، ومغنية، ومصممة بحسب الرواية الرسمية. لكنها لم تترك أي بصمةٍ بارزة تبرر شهرتها في أيٍ من تلك المجالات. وقد ذاع صيت باريس بعد مشاركتها في برنامج تلفزيون الواقع الحياة البسيطة (The Simple Life)، حيث صورته مع صديقتها نيكول ريتشي التي صارت من نجوم المجتمع هي الأخرى.

وقد كانت باريس هي التي أعادت إحياء ظاهرة الشخص "المشهور بكونه مشهوراً“، وكان لها تأثير هائل على الجموع في مطلع الألفية. إذ ظهرت في موسوعة غينيس للأرقام القياسية العالمية عام 2007 باعتبارها أكثر شخصية مشهورة مبالغ في تقديرها تحقق النجاح معتمدةً على ثروتها وأسلوب حياتها البذخ فقط. لكن باريس لم تتوقف عند هذا الحد، واستطاعت أن تتربح من شعبيتها عن طريق إطلاق علامةٍ تجارية تحمل اسمها. واليوم، أصبح خط عطورها فقط يدر عليها دخلاً يتجاوز الـ2.5 مليار دولار. وفي عام 2011، وصفتها مجلة فارايتي الأمريكية بأنها “رائدة أعمال مليارديرة”.

ظاهرة عائلة كارداشيان

في عام 2011، قامت مقدمة البرامج باربرا والترز بدعوة كريس جينر وبناتها، كيم وكلوي وكورتني، إلى برنامجها السنوي المخصص لأبرز شخصيات العام. وحينها سألت المضيفة ضيوفها قائلةً: “أنتم لا تمثلون، ولا تغنون، ولا ترقصون. واعذروني في القول، لا تتمتعون بأي موهبة”. فأجابتها كلوي: “ولكننا نستطيع الترفيه عن الناس رغم ذلك”. ثم أضافت كيم: “أعتقد أنّ التحدي يكون أكبر حين يظهر المرء في برنامج تلفزيون واقع ويتمكن من الفوز بقلوب الناس لمجرد أنه يتصرف على طبيعته”. وتجدر الإشارة إلى نقطةٍ مثيرة للاهتمام بشدة هنا، وهي أنّ كيم كانت تعمل مساعدةً شخصية لباريس هيلتون في وقتٍ من الأوقات.

واليوم، أصبحت عائلة كارداشيان-جينر توصف أحياناً بـ"الظاهرة الاجتماعية". وما يزال الكثيرون يتساءلون عن الكيفية التي تمكنوا بها من اكتساب شهرةٍ في جميع أنحاء العالم، وبناء إمبراطورية تجارية متكاملة مبنية فقط على شعبية الأخوات وأمهن. إذ بدأت الأمور بمشاركةٍ في برنامج لتلفزيون الواقع، ولكن يبدو أن أحداً ألقى بتعويذةٍ سحرية بعدها، لأن عائلة كارداشيان أصبحت تحوّل أي شيء تلمسه إلى ذهب. وصارت الأخوات الشهيرات تنتجن اليوم الملابس، والملابس الداخلية، ومستحضرات التجميل، والمجوهرات، وتعملن كعارضات أزياء. كما أصبحن من الشخصيات الرئيسية في الثقافة الشعبية المعاصرة. ويمكن القول في الوقت ذاته إن أهم مواهبهن هي قدرتهن المستمرة على إثارة اهتمام الناس بشخصياتهم، وعدم الابتعاد عن أنظار وسائل الإعلام.

ما الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة وكيف هو وضعها اليوم؟

يسلط الخبراء الضوء على روايتين لتفسير ظهور المشاهير. إذ تقول الأولى إنّ كلمة “مشهور” تمثل مفهوماً عالمياً كان -وسيظل- موجوداً في أي مجتمع وفي كل عصر. أما الرواية الثانية فتقول إنّ ظاهرة المشاهير مرتبطة بنمو الثقافة الشعبية، بالتزامن مع بدء سيطرة الوسائط المرئية والمسموعة على المجتمع. مما يعني أننا لطالما كان لدينا شخصيات شهيرة، لكن شهرتها كانت مبنيةً على موهبةٍ حقيقية، بينما يشتهر نجوم اليوم لمجرد أن حيواتهم تتم تغطيتها بصفةٍ مستمرة في وسائل الإعلام. وفي الوقت ذاته، من الواضح أن المجتمع يبدي اهتمامه بحياة أولئك المشاهير، وخير دليلٍ على ذلك هو أعداد متابعي النجوم على الشبكات الاجتماعية. وهذا يحدث للعديد من الأسباب.

ويقول أحد علماء النفس، “قد يشعر البعض أنهم على ارتباطٍ بأحد المشاهير ويمنحهم ذلك شعوراً إيجابياً، سواء لأنهم يشعرون بعدم الرضا عن أنفسهم أم لعجزهم عن الحصول على مبتغاهم من علاقةٍ حقيقية، نتيجة الخوف من الرفض”. أي أنها بعبارةٍ أخرى وسيلتهم للتكيف مع مصاعب الحياة اليومية.

بينما يرى رأيٌ آخر أنّ المجتمع يميل إلى عبادة كل الأصنام. إذ نتابع الحياة اليومية للمشاهير بكل ترقب، كما أننا مهتمون بكل شيء: بدايةً من دراما الحب ووصولاً إلى التفاصيل اليومية مثل نوعية القهوة التي يشربونها. حيث صارت الجوانب الشخصية في حياتهم أكثر أهميةً من الإنجازات المهنية. مما يعني أن الخط الفاصل بين النجم وبين الشخص العادي قد سيطرت عليه الضبابية، لأننا نتباهى نحن أيضاً بحيواتنا طواعيةً على الشبكات الاجتماعية. وأحياناً يقول المرء لنفسه: “إنها تشبهني، وقد حققت نجاحاً كبيراً في الحياة. لربما أتمكن أنا أيضاً من تحقيق ذلك”.

لا عجب إذن في أنّ ظاهرة المشاهير توسّعت بشكلٍ كبير على مدار الـ20 عاماً الماضية وسط هذه الظروف. حيث أنّ أعداد “المشاهير بكونهم مشهورين” ترتفع وستواصل الارتفاع مع انتشار الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي، ويوتيوب. واليوم، أصبحت لدى الجميع فرصة ليعيشوا لحظة شهرتهم الشخصية -إذ ليس عليك سوى أن تطلق مدونتك الخاصة.

ويمكننا القول إنّ نقطة التحول في فهمنا للشهرة في القرن الـ21 كانت غلاف مجلة تايم الأمريكية لعام 2006، الذي أظهر شاشةً بسطحٍ عاكس تعرض كلمة "أنت“، بدلاً من صورة شخصية “شخصية العام”. وقد كانت هذه هي طريقة الصحفيين في تعريف أولئك الذين يصنعون المحتوى بشكلٍ يومي عبر مختلف منصات الإنترنت.

أخبرنا برأيك، ما سبب ظهور المشاهير الذين لا يتمتعون بأي مواهب، لكن الجميع يعرفونهم رغم ذلك؟

الجانب المُشرق/علم النفس/ما هي ظاهرة المشاهير الجدد ولماذا أصبح الناس يشتهرون بدون سبب واضح؟
شارك هذا المقال