لماذا يعتبر الإسكندنافيون أسعد الناس على وجه الأرض؟
غالباً ما تتربع دول مثل النرويج والدنمارك وفنلندا والسويد وأيسلندا على قمة لوائح مؤشرات الرفاهية وجودة العيش التي تعكس إحساس الناس بالسعادة والرضا عن حياتهم. فقد صنفت هذه البلدان الإسكندنافية دائماً في المراكز العشرة الأولى في تقرير السعادة العالمي منذ نشره لأول مرة عام 2013. هل يمكن أن يكون هذا الأمر محض مصادفة؟ أم أن هذه البلدان تملك في الحقيقة مؤهلات خاصة تجعلها تبتعد عن بقية دول العالم؟
انتابنا الفضول في الجانب المُشرق لمعرفة الأسباب التي تجعل الناس الذين يتنفسون تحت سماء البلدان الإسكندنافية، أسعد وأهنأ عيشاً. وفي ما يلي أهم التفسيرات التي اهتدينا إليها!
لأنهم يقدرون التوازن في الحياة
لا يكدّ الإسكندنافيون ليل نهار في سبيل الثراء، بل يعرفون كيف يبدعون في العمل ويستمتعون به. كما أنهم يقدرون العلاقات الإنسانية والمتطلبات الشخصية، فتجدهم يقضون الكثير من الوقت بين عائلاتهم وأصدقائهم، ويكرسون مساحات فراغ لشغف هواياتهم.
وما يساعدهم على تحقيق ما سبق، هو أنهم يتمتعون بمتسع من الوقت: يعمل الناس في الدنمارك على سبيل المثال لـ 37 ساعة في الأسبوع. وبالإضافة إلى ذلك، يغادر معظم الموظفين مقرات عملهم حوالي الساعة 4 مساءً، لذلك يتبقى لديهم الكثير من وقت الفراغ. وبالمقابل، غالباً ما يعمل الأشخاص في البلدان الأخرى لأكثر من 40 ساعة في الأسبوع.
من أجل زيادة إنتاجيتهم قدر الإمكان وإنجاز كل المهام في الوقت المحدد، لا يضيع الدنماركيون الوقت في الدردشة مع زملائهم أو أخذ فترات راحة أثناء العمل. فهم يدركون أن هذا سيسمح لهم بإنجاز المطلوب منهم بشكل أسرع. وفضلاً عن ذلك، تسمح قوانينهم بالمزاوجة بين نمطي العمل الحضوري والعمل عن بُعد.
الإجازات نعمة أخرى في الدنمارك، حيث يحق للموظفين التمتع بـ 5 أسابيع كإجازة مدفوعة الأجر. ولأن التوازن بين العمل والعيش مهم جداً بالنسبة لهم، يتم تشجيع الكل على أخذ إجازاتهم، وينظر إلى من لا يفعل ذلك بنوع من الاستهجان. كما يمكنهم الحصول على “إجازة إجهاد” مدفوعة الأجر، عندما تزيد ضغوطات العمل لدرجة تؤثر على صحتهم النفسية.
أما في فنلندا، فيحق للموظفين تغيير فترة عملهم بتقديمها أو تأخيرها بـ 3 ساعات، فتتيح لهم هذه المرونة جدولة مهامهم اليومية بالشكل الذي يناسبهم. وفي النرويج، يحصل الموظفون في حال المرض على إجازة مدفوعة الأجر تصل إلى 3 أسابيع.
لأنهم يحبون قضاء المزيد من الوقت بين أحضان الطبيعة
قضاء الوقت في الهواء الطلق له آثار إيجابية على الصحة الجسدية والعقلية للإنسان. والإسكندنافيون يدركون هذه الحقيقة ويعرفون كيفية تحقيق أقصى استفادة من الطبيعة، فحتى الطقس البارد في بلادهم لا يوقفهم عن الاستمتاع بها. بل إن لديهم حكمة مأثورة تقول: “لا يوجد طقس سيء بل لباس سيء”. وهم يطلقون على هذا العشق الكبير للهواء الطلق اسم friluftsliv ويعتبرونه من أساسيات حياتهم.
ليس من الضروري انتظار عطلة أو مناسبة للتنزه في الغابة، بل على العكس من ذلك، يحبون ممارسة هذا النشاط على نحو طبيعي وغير رسمي. كما أن الشركات نفسها تشجع موظفيها على ممارسة الرياضة وقضاء بعض الوقت في الخارج، وكثيراً ما تدرج الشركات ضمن سياساتها اقتراحات بتخصيص وقت للموظفين من أجل التنزه في الطبيعة ولو كان ذلك خلال ساعات العمل.
لأن الأمهات والآباء الجدد يحظون بدعم كبير
في أيسلندا، تُمنح الأمهات 9 أشهر كإجازة مدفوعة الأجر بعد الإنجاب، بينما ينال الآباء الجدد 3 أشهر. وإذا أردنا مقارنة هذا مع الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً، سنجد النساء هناك يحصلن على 12 أسبوعاً فقط في إجازة الأمومة، وتكون غير مدفوعة الأجر.
وفي السويد، تحظى الأمهات والآباء الجدد، بحوالي 480 يوماً من الإجازة مدفوعة الأجر، يتلقون خلالها 80٪ من قيمة رواتبهم. كما يُسمح أيضاً للنساء الحوامل والأمهات الجدد بتقليل ساعات العمل المعتادة بنسبة تصل إلى 25 في المائة، حتى يبلغ الطفل 8 أعوام من عمره، بالإضافة إلى منحهن علاوة شهرية تصرف لهن إلى أن يبلغ الطفل 16 عاماً.
لأنهم لا يعانون من ضغوط مالية
ينفق الناس في العديد من البلدان الكثير من الأموال على الفواتير الطبية والتكاليف المدرسية والجامعية. ولكن هذا ليس حال بلدان الشمال الأوروبي، حيث تقدم الرعاية الصحية وخدمات التعليم بشكل مجاني. وفضلاً عن ذلك، يتم توفير دعم مالي للعاطلين عن العمل، عن طريق تأمين ضد البطالة وبرنامج إعالة الأطفال، كما يتم توفير فرص لتحسين خبرات العمل لصالحهم.
لأنهم يثقون ببعضهم البعض
إن القدرة على الوثوق بالآخرين تعني أن تسود المجتمعَ أجواء من الصدق والاهتمام بالصالح العام بين جميع أفراده. لذا تصبح العلاقات الاجتماعية التي تربط الإسكندنافيين أكثر متعة، كما أنها توفر لهم الدعم اللازم عند الحاجة.
ومن المعروف أن الدول الإسكندنافية تشهد أقل معدلات للجريمة، لذلك يشعر الناس بأمان أكبر. وهذا الشعور بالأمان والثقة، يمكن أن يؤثر بشكل إيجابي على رفاهيتهم. فعلى سبيل المثال، يؤمن غالبية الإسكندنافيين بأنهم سيستعيدون محفظة نقودهم إذا ضاعت منهم، بينما يشك في إمكانية حدوث ذلك، مواطنو البلدان التي تحتل مراتب متدنية في تقرير السعادة العالمي.
ترى أي دولة إسكندنافية تود زيارتها؟ إن كنت قد سافرت إلى الشمال الأوروبي أو تعيش هناك بالفعل، فهل توافق على أن هذه الأسباب هي فقط ما يجعل مواطني هذه الرقعة الجغرافية أسعد الناس في العالم؟ ما هي بعض المزايا الأخرى التي يمكن أن تذكرنا بها؟